الحمد لله ، ذي الفضل والإنعام ، توعد من عصاه بأليم الانتقام ، ووعد من أطاعه بجزيل الثواب والإكرام ، أحمده على إحسانه العام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
{ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث على فعل الطاعات وحذر من المعاصي والآثام ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام وسلم تسليماً كثيراً ومستمراً على الدوام ... أما بعد : أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، وتدبروا كتاب الله فقد حثكم على فعل الطاعات وبين لكم ثوابها وثمراتها لتكثروا منها ، ونهاكم عن المعاصي وبين لكم عقابها وآثارها الضارة لتحذروا منها وتجتنبوها ، كمـا أنه وصـف لكـم الجنة وما فيها من النعيم والفوز المقيم لتعملوا لها ، ووصف لكم النار وما فيها من العذاب الأليم والهوان المقيم لتتركوا الأعمال الموصلة إليها ، وهكذا كثيراً ما نجد آيات الوعد إلى جانب آيات الوعيد . وذكر الجنة إلى جانب ذكر النار ، ليكون العبد دائماً بين الخوف والرجاء . لا يأمن من عذاب الله ولا ييأس من رحمة الله ، كما قال تعالى : { والذين هم من عذاب ربهم مشفقون . إن عذاب ربهم غير مأمون } ، وقال تعالى : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب } ، وقد وصف الله أنبياءه وخواص أوليائه أنهم يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ورغباً ورهباً ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، وقد أمر الله العباد أن يخافوه ويرهبوه ويخشوه في آيات كثيرة ، قال تعالى : { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } ، وقال تعالى : { فإياي فارهبون } ، وقال تعالى : { فلا تخشوا الناس واخشون } ، والخوف المحمود الصادق هو الذي يحول بين صاحبه وبين محارم الله ــ عزَّ وجلَّ ــ ، والرجاء المحمود الصادق هو الثقة بجود الرب سبحانه وفضله وكرمه ولابد أن يقترن معه العمل، قال تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } ، وقال تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم } . فالرجاء لا يصح إلا مع العمل ، قال العلماء : والرجاء ثلاثة أنواع : الأول : رجـاء رجـل عمل بطاعة الله على نور من الله ، فهو راج لثوابه . والثاني : رجاء رجل أذنب ذنباً ثم تاب منه ، فهو راج لمغفرة الله وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه . والثالث : رجل متماد في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل ، فهذا هو الغرور والرجاء الكاذب